تاريخ ميلاد الرب يسوع المسيح
د. غالي
الإصدار الثالث: 8 أكتوبر 2024
الإصدار الثاني 25 ديسمبر 2017
الإصدار الأول 25 ابريل 2011
سنة ميلاد الرب يسوع المسيح له كل المجد
مقدمة:
في أي سنة تحديدًا ولد الرب يسوع المسيح له كل المجد؟ هذا سؤال هام ومتعلق بترتيب أحداث كثيرة في حياة الرب يسوع المسيح، بما فيها تاريخ الصلب. فعدم تحديد تاريخ ميلاد الرب يسوع المسيح بدقة ممكن يسبب إشكاليات في تواريخ أخرى هامة.
يُوجَد اختلاف بين المؤرخين في هذا الأمر؛ فالبعض يقول تاريخ، والبعض يقول تاريخ مختلف. سبب الإشكاليات هو عدة نقاط. أولها وهو احتمالية أن يكون هناك خطأ في بداية التقويم الميلادي. وفترة هذا الخطأ مختلف عليها. والأساسي فيها هو بسبب اختلاف في حسابات زمن موت هيرودس. واختلاف آخر في توقيت إحصاء حدث زمن الميلاد. وبعضهم يقول إن هذا الخطأ جعل التقويم يبدأ بعد ميلاد الرب يسوع المسيح الحقيقي بعدة سنوات والبعض يقول قبل ميلاده بعدة سنوات. فالبعض يقول إنه ولد سنة 4 ق.م، وبعضهم يقول سنة 5 ق.م، وبعضهم يقول سنة 6 ق.م، وبعضهم يقول سنة 6م.
سبب الخطأ لو كان حدث:
لم يبدأ التقويم الميلادي منذ أول ميلاد رب المجد؛ أي لم يطالب أحد عندما ولد الرب يسوع المسيح له كل المجد بأن يبدأوا التقويم الميلادي في هذه السنة؛ ولكن هو بدأ بعد هذا بستة قرون تقريبًا. واستخدموا وقتها التقويم اليولياني للدولة الرومانية ليحسبوا التقويم الميلادي.1
التقويم اليولياني باختصار:
التقويم اليولياني أو الذي كان سابقًا الروماني، بدأ من إنشاء روما سنة 750 ق.م إلى 754 ق.م تقريبًا.2 وكانت السنة الرومانية في البداية 304 أيام مقسمة إلى عشرة شهور،3 تبدأ بشهر مارس (على اسم أحد الآلهة الإغريقية) ثم إبريل (أي انفتاح الأرض Aperire بنمو المزروعات والفواكه) ثم مايو (على اسم الآلهة Maia) ثم يونيو (أي عائلة أو اتحاد) ثم كوينتليوس (أي الخامس) ثم سكستس (السادس) ثم سبتمبر (أي السابع) ثم أكتوبر (الثامن) ثم نوفمبر (التاسع) ثم ديسمبر (العاشر)، وكان كل شهر ثلاثون يومًا. ولكن فيما بعد تغير ليصبح إبريل ويونيه والسادس وسبتمبر ونوفمبر وديسمبر 30 يومًا. بينما مارس ومايو والخامس وأكتوبر 31 يومًا.4 ثم أضاف الملك نوما بومبليوس (ثاني ملك بعد روماس الذي أسس روما) شهري يناير (على اسم الإله Janus)، وفبراير Februa (أي احتفال، لوقوع احتفال عيد التطهير في منتصفه). وبذلك أصبح طول السنة الرومانية اثني عشر شهرًا. وجعلت السنة 360 يومًا وكل شهر ثلاثون يومًا. وفيما بعد هذا جُعِل أن السنة تتكون من (365 يومًا) في اثني عشر شهرًا، بأن جعل يناير 31 يومًا (تغير على عدة مراحل)، وفبراير 30 يومًا، ومارس 31 يومًا، وإبريل 30 يومًا، مايو 31 يومًا، ويونيو 30 يومًا، (كوينتليوس) ويوليو 30 يومًا، (سكستس) وأغسطس 30 يومًا، وسبتمبر 30 يومًا، وأكتوبر 31 يومًا، ونوفمبر 30 يومًا، وديسمبر 31 يومًا.5 مع ملاحظة أنه تغيرت السنة عدة مرات، ومنها مرات جُعل فيها الشهور 30 يومًا ومحاولة توفيقها مع التقويم المصري؛ ولكن عندما جاء يوليوس قيصر قام باستبدال اسم كونتليوس Quintilis باسم يوليو على اسمه وجعله 31 يومًا. وغير مقابله فبراير الذي كان 30 يومًا فجعله 29 يومًا لكيلا يتغير عدد أيام السنة، ومثله لما تولى أغسطس قيصر استبدل اسم الشهر الثامن Sextilis الذي يلي يوليو باسم أغسطس تخليدًا لذكراه وجعل عدد أيامه 31 يومًا، جاعلًا فبراير 28 يومًا في السنوات البسيطة، و29 يومًا في السنوات الكبيسة.
ملحوظة هامة: هذا يوضح أن التقويم الميلادي الذي هو 365 يومًا وربع أنه حديث؛ وحتى الميلاد لم يكتمل بعد.
قبل أن يقوم أغسطس بتغييره وفي القرن الأول قبل الميلاد كان قد لُوحظ أن الأعياد لا تقع في موقعها الفلكي، فكلف الإمبراطور يوليوس قيصر أحد أشهر علماء الفلك المصريين وهو سوسيجينيس Sosigene لتعديل التقويم؛6 ليصبح موازيًا للتقويم المصري في وقته. حتى تعود الأعياد الإغريقية الثابتة في مواقعها الفلكية، وذلك بإضافة ربع يوم إلى طول السنة الرومانية 365 يومًا وربع، وسمى هذا التقويم بالتقويم اليولياني وذلك بإضافة يوم كل رابع سنة (السنة الكبيسة) لتصبح 366 يومًا.
وهذا التقويم هو الذي استمر من يوليوس قيصر كما هو وأصبح التقويم الميلادي في القرن السادس الميلادي حتى عُدل بعد ذلك في أيام البابا غريغوريوس الروماني القرن السادس عشر الميلادي وتحديدًا سنة 1582م، بطرح 3 أيام كل 400 سنة وسمى بالتقويم الجريجوري أو الغريغوري، وهذا الذي صنع فرقًا بين 25 ديسمبر و29 كيهك بعد أن كانوا في نفس التاريخ وأصبح 29 كيهك 5 يناير ثم بعدها تدريجيًا 7 يناير.
المهم هو أن تحويله للتقويم الميلادي تم في القرن السادس الميلادي عندما نادى الراهب الإيطالي ديونيسيوس إكسيجوس Dionysius Exiguus سنة 525م بوجوب أن تكون السنة (وليس اليوم) التي ولد فيها الرب يسوع المسيح له كل المجد هي سنة واحد. والمسيح ولد أولها وكذلك بتغير اسم التقويم الروماني؛ ليسمى التقويم الميلادي Anno Domini (AD).7 باعتبار أن الرب يسوع المسيح له كل المجد ولد عام 754 لتأسيس مدينة روما بحسب نظرية هذا الراهب. وهكذا ففي عام 532 ميلادية (أي 1286 لتأسيس روما) بدأ تدريجيًا العالم المسيحي باستخدام التقويم الميلادي بجعل عام 1286؛ لتأسيس مدينة روما هي سنة 532 ميلادية.8
لكن حديثًا في أقل من قرنين فقط بدأت خلافات في نقطة أن الرب يسوع المسيح ولد في سنة 754 لتأسيس روما؛ فالبعض قال إنه ولد 750 لروما، فقالوا إنه هناك خطأ في التقويم أربع سنوات. ولكنهم لم يغيروا التقويم حفاظًا على استقراره إذ كان قد انتشر في العالم كله.
وهنا التساؤل، فهل هناك فعلًا هناك خطأ في التقويم الميلادي لأربع سنوات يجعل الرب يسوع المسيح ولد قبل الميلاد سنة 4 ق.م؟ وما هو مصدر هذا الرأي الذي بدأ منذ قرنين فقط؟
القصة بدأت كالعادة مع بداية مدارس النقد الغربية،9 والتي ظهرت فيها آراء كثيرة متضاربة عن تاريخ ميلاد الرب يسوع المسيح له كل المجد. هي التي بدأت بمناداة أن هناك خطأ في التقويم 4 سنوات، واستمرت الخلافات حتى الآن.
سبب خلافاتهم في سنة ميلاد رب المجد هو اختلافهم في أساليب تحديد هذه السنة. وخاصة بسبب تحديد ميعاد موت هيرودس الذي مرتبط به تاريخ ميلاد رب المجد. أو مفهومهم لما قاله الكتاب من أحداث الميلاد، وغيره من المقاييس. فيوجد أساليب مختلفة في تحديد ميعاد الميلاد ليس فقط تاريخ تأسيس روما. بعضهم يعتمد على أحداث الميلاد، وبعضهم يعتمد على أحداث الصلب وتواريخها، وبالرجوع للوصول لتاريخ الميلاد. في هذا البحث يتم تقديم ما تم التمكُن من الوصول إليه لمعرفة أي سنة هي أدق سنة والنقاط التي تشير إليها. الذين يعتمدون أكثر على أحداث الميلاد (وبخاصة من تفسير كلام يوسيفوس) يميلون أكثر إلى أن الرب يسوع المسيح ولد ما بين 4 ق.م إلى 6 ق.م.10 أما الذين يعتمدون على أحداث الصلب أكثر يجعلوه ما بين 2 ق.م إلى 5 ق.م. والبعض يجعله 6م بسبب تعداد الميلاد، وهذا ما يتم تقديمه مباشرة بعد الملاحظات التالية.
الملاحظة الأولى والهامة جدًا وهي: لا توجد سنة صفر.11 أي لا يوجد سنة ما بين 1 ق.م وما بين 1م. بمعنى المُفترض مع بداية ميلاد الرب يسوع المسيح، تكون السنة قبل ميلاده هي سنة 1 ق.م وتنتهي بميلاده. وعندما ولد هذه السنة التي بدأت وقت ميلاده هي سنة 1م. فلا يوجد سنة صفر ما بين الاثنين. أي لا يتم العد مثلما يتم في الحساب 3 2 1 0 -1 -2 -3، فالتقويم يختلف عن الحساب في هذه النقطة فهو 3 2 1 -1 -2 -3، فلا يتم الانتقال من 1 إلى -1 عبر صفر. لا يوجد سنة صفر. والصورة التالية للتوضيح.
شكل 1. رسم توضيحي لعدم وجود سنة صفر 0.
شكل 2. رسم توضيحي لعدم وجود سنة صفر 0. تصميم د. فايز سدراك (عميد كلية الدراسات الكتابية).
فسنة 1 ق.م تنتهي مع بداية سنة 1م، وعند حساب سنين يتم الانتقال فيها من قبل الميلاد إلى بعد الميلاد يطرح من الرقم الحسابي سنة لعدم وجود سنة الصفر في التقويم. أي من سنة 500 ق.م إلى سنة 500 بعد الميلاد هي ليست 1000 سنة، هذا حسابيًا، ولكن 999 سنة تقويميًا.12
وبهذا لو ولد الرب يسوع المسيح في أول سنة 1 ق.م (1286 رومانية = 532م فيكون 754 رومانية = 0م أي أول 1 ق.م) هذا ليس خطأ تقويم بالغ حسب تاريخ روما. ولكن عدم إدراك الكثيرين لعدم وجود سنة صفر. وعندما يكمل عمره عامًا تكون في بداية سنة 1 ميلادية.
لشرح هذا سيحتاج تقديم مثال: عند ميلاد طفل وليكن اسمه جون، فيُقال قبل أن يُولد جون بشهور حدث كذا، التعبير هذا معناه التكلّم عن أحداث سنة 1 قبل ميلاده التي ستكتمل وتنتهي متى ولد. وعندما يُقال بعد أن ولد جون بشهور حدث كذا فبهذا يُقال أحداث سنة 1 من عمره التي ستكتمل وتنتهي متى تم عامه الأول وعندها تبدأ السنة 2 من عمره وهو عمره سنة وبضعة ساعات.
بتطبيق هذا على الرب يسوع المسيح. وما يذكر هنا للتوضيح وليس الرقم الصحيح. اليوم الذي يسبق ميلاد الرب يسوع المسيح هو مشمول في سنة 1 ق.م حتى لو كان آخرها في 30 ديسمبر هو في سنة 1 ق.م. ويوم 1 يناير في السنة الأولى من ميلاد الرب يسوع المسيح هو مشمول في سنة 1م التي ستكمل متى أتم الرب يسوع المسيح سنة وتبدأ سنة 2م.
هذا لو كان التقويم دقيقًا، وبدأ من أول يوم ولد فيه الرب يسوع المسيح. ولكن لو هناك فرق بسيط أي لو المسيح ولد بأيام أو شهور قبل 1 يناير 1م هو يكون ولد في سنة 1 ق.م أي لأنه ولد 29 كيهك وهو يساوي 25 ديسمبر. ولو كان الذين قاموا بالتقويم في القرن السادس لم يلاحظوا هذا أي سنة الصفر في طرح 532 سنة فهو يكون ولد ليس فقط أول سنة 1 ق.م بل آخر سنة 2 ق.م.
فمرة أخرى لأنه لا توجد سنة صفر في الحسابات التقويمية فيتم الانتقال من 1 ق.م إلى 1م. وعندما يتم جمع أو إضافة سنين ق.م إلى حدث بعد الميلاد لا بد أن يتم ملاحظة حذف سنة صفر. بمعنى لو الرب يسوع المسيح بدأ خدمته 1 يناير 30م عن عمر 30 سنة بالضبط فيكون = 30 سنة بداية خدمته – 30 سنة عمره = سنة 0، ولكن لا يوجد سنة صفر فهو يناير سنة 1 ق.م وهي سنة كاملة. فهو لا يكون ولد 1 يناير سنة صفر لأنه لا توجد سنة صفر ولكن هو 1 يناير 1 ق.م، أي يكون ولد قبل هذا بمقدار 30 سنة هو يساوي 1 يناير ق.م. ولو المسيح بدأ خدمته 1 يناير 30م عن عمر ثلاثين سنة وبضعة أيام أي ولد 25 ديسمبر تكون هي 25 ديسمبر سنة 2 ق.م. أي آخر 2 ق.م لا يعتبر خطأ تاريخيًا إلى حدٍ ما في التقويم الروماني 754 لتأسيس روما، الذي استُخدم في التقويم الميلادي؛ بل هو فقط لعدم وجود سنة صفر. فما بين آخر 2 ق.م وما بين أول 1 ق.م وحتى آخر 1 ق.م هو الذي يُفهَم أنه أول سنة صفر التي ليس لها وجود بعد طرح 532 سنة. الرب يسوع المسيح بدأ يخدم عن عمر ثلاثين سنة، وهذا سيقدم لاحقًا بالأدلة الكتابية. هذا فرضًا (ويتم إثباته) لو فرضًا كان حدث في أول 30م أو قبلها بقليل. وهو خدم ثلاث سنوات وشهور (ويتم تقديم أدلة على هذا) يكون صلب في ربيع سنة 33م. فيحتاج من يحسب سنين النبوة أن يستوعب هذه النقطة لأنها أساسية.
عمر الرب يسوع المسيح له كل المجد
الملحوظة الثانية: الرب يسوع المسيح له كل المجد خدم ثلاث سنوات وشهور، من المعمودية للصلب. هذا شبه متفق عليه في التقليد وتم تقديم أمثلة في مراجع أقوال الآباء في الفصل الثاني. ولكن أيضًا لتأكيده بطريقة أكاديمية بالبحث في الكتاب المقدس للمراجعة والتأكد من صحة ما قاله الآباء والمفسرون، يتضح أن الرب يسوع المسيح عبر عليه ثلاثة أعياد فصح أثناء خدمته، وصلب في الرابع. أي لو بدأ خدمته عن عمر ثلاثين سنة ولو كان هذا في أول 30م، يكون قد صلب عن عمر ثلاثة وثلاثين عام وبضعة شهور في الفصح الرابع. وأعياد الفصح من الممكن التعرف عليها من إنجيل يوحنا كالتالي:
الفصح الأول في أول خدمته في منتصف نيسان (ما بين مارس وإبريل) أي بعد ثلاثة أو أربعة شهور من بداية خدمته هو سنة 30م. وهذا في "وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ" (إنجيل يوحنا 2: 13).
الثاني يفهم من التالي "بَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ." (إنجيل يوحنا 5: 1). فمنه يمكن إثبات أن المسيح قضى فصحًا آخر، فالعيد هنا هو عيد الفصح من حساب مواعيد الزراعة وحسب الأحداث المذكورة ما بين الاثنين والموضحة أكثر في باقي الاناجيل، ويكون هذا بعد بداية خدمته بسنة وثلاثة شهور أي سنة 31م.
الثالث مذكور في "وَكَانَ الْفِصْحُ، عِيدُ الْيَهُودِ، قَرِيبًا" (إنجيل يوحنا 6: 4). أي بعد سنتين وثلاثة شهور أو أربعة من بداية خدمته، أي في ربيع سنة 32م.
الرابع في "وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ الْكُوَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبْلَ الْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ." (إنجيل يوحنا 11: 55). وهو الفصح الذي صلب فيه حسب شهادة "ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ" (إنجيل يوحنا 18: 28).
ملاحظة: عيد الفصح الثاني رغم انه غير مذكور لفظًا؛ لكنه مثبت بحسابات كثيرة من ترتيب الأحداث وخاصة حادثة قطف السنابل في الأناجيل (متى 12: 1 ومرقس 2: 23 ولوقا 6: 1)، والتي تقويمها من ترتيب الأحداث بين فصح (يوحنا 2: 13) و(يوحنا 6: 4) وما قدمه يوحنا الحبيب بين الفصحين الذين يمكن حسابهما بالشهور. وقدمها هارولد بشيء من التفصيل بما فيها شروحات آباء كثيرين مثل ميليتو ويوسابيوس.13 مع ملاحظة يوجد خلاف هل هو عيد الفصح أو عيد الأسابيع التالي للفصح،14 ولكن لا تزال نفس النتيجة وهو أن هناك عيد فصح ثاني في هذه الفترة الزمنية.
فزمن خدمة الرب يسوع المسيح التي عبر عليه خلالها ثلاثة أعياد فصح وصلب في الرابع أكدها باحثون كثيرون مثل ليسلي ماديسون،15 وصامويل أندروز،16 وكيلوم،17 وغيرهم الكثيرين. ولا يوجد مكان لأعياد فصح أخرى لم تذكر لأن ترتيب الأحداث لا تدع مجال لهذا. أي يكون بعد ثلاث سنوات وثلاثة أو أربعة شهور من بداية خدمته أي عمر ثلاث وثلاثون سنة وبضعة شهور. أي تقريبًا ربيع 33م.
فأي تاريخ للصلب يحذف منه من السنين ثلاث وثلاثون سنة وبضعة شهور تقريبًا يكون تاريخ الميلاد، وأيضًا العكس فأي تاريخ يحدد للميلاد يضاف عليه ثلاث وثلاثون سنة وبضعة شهور يكون تاريخ الصلب. ولا يجب أن يتناقض أحدهما مع الآخر. فلو ولد الرب يسوع المسيح في 25 ديسمبر وصلب في 14 نيسان وهو يقع بين شهر مارس وإبريل يكون بينهما ثلاث وثلاثون سنة وبضعة شهور، فلو بدأ خدمته 30م وصلب ربيع 33م يكون ولد آخر 2 ق.م قبل أول سنة 1 ق.م. هذا فقط للتوضيح. ولكن يتم تقديم أدلة على هذا في الأجزاء التالية.
نقاط تحديد سنة ميلاد الرب يسوع المسيح
هناك إحدى عشر نقطة على تاريخ ميلاد رب المجد:
ولد الرب يسوع المسيح حيث كان هيرودس الكبير حيًا. وهذا ما ذكره متى البشير بوضوح في إنجيله في "وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ" (إنجيل متى 2: 1)، فيكون الرب يسوع المسيح ولد قبل موت هيرودس الكبير بفترة غير محددة ولكن لابد ان يكون تاريخ ميلاده قبل تاريخ موت هيرودس الكبير.
تحديد سنة موت هيرودس هو الذي بسببه بدأ في المدرسة النقدية الغربية ادعاء أن التقويم الميلادي خطأ. وهذا الادعاء ظهر من أقل من قرنين. ففي القرن التاسع عشر بدأ هذا الادعاء عن طريق أحد النقديين الألمان اسمه إيميل ستشورير (شوغر).18 وسببه انتشر ادعاء أن هيرودس مات 4 ق.م. فإذًا، المسيح لا بد أن يكون ولد قبل موت هيرودس في 4 ق.م، وبسبب هذا انتشر ادعاء أن المسيح ولد قبل التقويم الميلادي بعدة سنين. ومنها بدأ يُقال إن المسيح ولد 4 ق.م أو 6 ق.م وغيرها. فبعضهم الذي قال إن المسيح ولد قبل وفاة هيرودس بفترة قليلة إذا هو ولد 4 ق.م، وبعضهم بما فيهم ستشورير وغيره الذين قالوا إن حادث قتل أطفال بيت لحم من سنتين فما دون، أي حسب رأيهم أن المسيح كان قرب السنتين، فيكون هيرودس مات 4 ق.م فيكون المسيح ولد 6 ق.م. وآراء في المنتصف أي 5 ق.م. هذا هو بداية الادعاء وبسببه انتشر أن هناك خطأ أربع سنوات أو ست سنوات في تقويم ميلاد المسيح واستمر حتى الأن وبني عليه تفسيرات. فهل ما قاله ستشورير وانتشر وهو شبه السائد الآن، هل هو الصحيح؟ في هذا الجزء بعد الدراسة يتضح تدريجيًا أن هذه الادعاءات النقدية من هذا الوقت هي غير دقيقة غالبًا. ويتم التعرف على السبب.
الدليل الأول على زمن ميلاد المسيح، زمن موت هيرودس:
في بداية هذه النقطة يجب توضيح أن الفرق بين التاريخين 4 ق.م و6 ق.م هو بالطبع غير مذكور في الكتاب المقدس. فمتى البشير لم يقل إن عمر الرب يسوع المسيح كان سنتين وقت حادثة أطفال بيت لحم. ولكن يمكن أن يُفهم من متى البشير العكس، وهو أن وقت حادثة قتل أطفال بيت لحم كان الرب يسوع المسيح حديث الولادة، أو بعدها بفترة زمنية قصيرة جدًا؛ لأن الرب يسوع لم يزل في بيت لحم مكان ميلاده حديثًا. المكان المؤقت الذي ذهبوا إليه شبه مجبرين لأجل الإحصاء. فلن يقيموا فيه كثيرًا. فكون أنهم لم يزالوا في بيت لحم وهذا في "حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ،" (إنجيل متى 2: 7-9)، فهو لم يزل حديث الولادة. الأمر هو أن هيرودس لقسوته فقط أراد أن يكون متأكدًا أن المسيح سيقتل؛ فأمر بقتل من سنتين فما دون في بيت لحم فقط للتأكد، وليس لأن عمر الرب يسوع المسيح أصبح سنتين. لو كان عمر الطفل يسوع المسيح أصبح سنتين لكان هيرودس أمر بقتل كل من هم ثلاث سنين أو أربع سنين فما دون، فادعاء أولًا 6 ق.م لأنه ولد قبل موت هيرودس بسنتين لعمر أطفال بيت لحم هو غير دقيق.
والأن التركيز على 4 ق.م. ولكن من أين أتى ستشورير بأن هيرودس مات 4 ق.م؟ هذا عن طريق أربعة أسباب. وكلهم مشمولين في مجموعة الأدلة الأولى المرتبطة بزمن موت هيرودس.
السبب الأول الخسوف القمري: فالسبب في تفسير ستشورير لكلام يوسيفوس المؤرخ اليهودي، عندما قال إن هيرودس مات بفترة بعد خسوف قمري، وهذا قاله يوسيفوس بالفعل.19 فقال ستشورير إن هناك خسوفًا جزئيًا حدث في اليهودية في 13 مارس 4 ق.م، وافترض أن هذا هو الخسوف المتكلم عنه، ومنها بدأ كل قصة ادعاء خطأ التقويم الميلادي.
السبب الثاني بداية حكمه ودورات الاولمبياد: أيضًا تم تفسير كلام يوسيفوس عن أن هيرودس مات بعد سبعة وثلاثون سنة من إعلانه ملكًا من قبل روما، وهذا ذكره يوسيفوس في الأنتيك،20 وفي الحروب أيضًا.21 وهذا تم تحديده حديثًا بناء على دورات أولمبياد أنه سنة 40 ق.م؛ ولأنه حكم ستة وثلاثون سنة فيكون مات 4 ق.م.
والسبب الثالث زمن غزو أورشليم: هو تم تفسير كلام يوسيفوس في أن هيرودس بعد بداية حكمه بثلاث سنوات في الأولمبياد 185 غزى أورشليم وفتحها.22 وهذا تم تحديده حديثًا في سنة 37 ق.م، وحكمها أربعة وثلاثون سنة فيكون مات سنة 4 ق.م.
والرابع زمن حكم أبناؤه: وهو تم تحديده بناء على فرضية، وهي أن أبناء هيرودس تولوا الحكم سنة 4 ق.م، وبناء عليه يكون مات سنة 4 ق.م. أي تاريخ توليهم الحكم.
توضيح الأربع نقاط وإشكالياتهم:
الرد على السبب الأول: وهو أن هيرودس مات بعد الخسوف القمري، وهو الأساسي في الحسابات وبنى عليه النقاط الباقية. وهنا يتم الوصول لسبب كل الاختلافات وهو الخسوف؛ بالفعل حدث خسوف جزئي سنة 4 ق.م، وهذا حدث قبل عيد الفصح بمقدار 29 يومًا، ولكن هذا الخسوف الذي تم اختياره من قبل النقديين لم يكن دقيقًا؛ لأنهم تجاهلوا بقية تواريخ الخسوف المسجلة بوضوح. فهناك بحث في تواريخ الخسوف القمري وضح أن هذا الخسوف كان جزئيًا، ولكن هناك خسوف قمري كلي وليس جزئيًا حدث سنة 1 ق.م بمقدار تسعة وثمانون يومًا قبل الفصح أيضًا (تقريبًا 10 يناير 1 ق.م).23 وهذا أشار له العديد من العلماء، مثل كل من جاك فينيجان،24 وأيضًا أندرو ستينمان.25 وخسوف آخر كلي حدث 29 ديسمبر 1 ق.م.26 والاثنان يصلحان ويشيران لسنة 1 ق.م أو بعدها بقليل لأنه مات بعد هذا الكسوف بفترة.
مع ملاحظة أن العلماء وضحوا أن القدماء يسجلون الخسوف الكلي بصفته حدثًا؛ لأنه هو الأساسي الذي يختفي فيه القمر تمامًا كعلامة فلكية وليس الجزئي.27 فوصف يوسيفوس يتفق مع خسوف 1 ق.م؛ لأنه خسوف كلي وليس 4 ق.م؛ لأنه خسوف جزئي.
وخاصة أنه من كلامه يفهم أن هذا الخسوف كان قبل الفصح بعدة شهور وليس أيامًا، لما وصفه من رحلات تستغرق ما بين ستين إلى تسعين يومًا.28 ولا تصلح أن تكون أقل من شهر. فلا يصلح الخسوف الجزئي في 4 ق.م أصلًا لأنه قبل الفصح بمقدار تسعة وعشرون يومًا فقط. فهذا يؤكد أكثر خسوف 1 ق.م. إذًا، يتم التأكد أكثر بأن هيرودس مات بعد يناير سنة 1 ق.م بعدة شهور أو بعد آخرها أي أول 1م، فيكون الميلاد نحو بداية سنة 1 ق.م.
والأهم من هذا أن يوسيفوس استخدم هذا الخسوف ليس في تقويم موت هيرودس، بل في تحديد تاريخ إزالة هيرودس لماتياس من رئاسة الكهنوت. وهذا قاله في الأنتيك،29 وأكد هذا ستينمان.30 أي الخسوف الجزئي 4 ق.م هو خطأ. وهو الذي اعتمدوا عليه في أساس فرضيتهم. وبنوا عليه كل حساباتهم، ولكن الصحيح هو الخسوف الكلي في 1 ق.م. وبناءً عليه كان هيرودس حيًا حتى فصح 1 ق.م. ومات بفترة (شهور) بعد فصح مارس سنة 1 ق.م. أي غالبًا بعده بشهور سواء في نهاية 1 ق.م أو بعد بداية 1م.
فيكون الرب يسوع المسيح قد وُلِد قبل هذا بفترة وجيزة في أواخر سنة 2 ق.م أو أول سنة 1 ق.م، وهذا تاريخ صحيح. فبناءً على تاريخ وفاة هيرودس الصحيح، يكون ميلاد الرب يسوع المسيح في نطاق أول سنة 1 ق.م في أولها، أو قبل بدايتها أي وُلِد في أواخر 2 ق.م. فلا يوجد خطأ في التقويم بفارق أربع سنوات.
الرد على السبب الثاني وبداية حكمه من الإولمبياد: أما عن أولمبياد تاريخ حكمه ومنها تاريخ موت هيرودس، الذي حُدد أنه سنة 40 ق.م، بالطبع يوسيفوس لم يقل سنين ميلادية؛ لأن التقويم الميلادي لم يكن يعرفه هو أصلًا بل بعده بأكثر من أربعة قرون. فيوسيفوس يتكلم عن تحديد السنين من خلال الأولمبياد الرومانية التي تحدث كل أربع سنوات، ولها علاقة بتقويم روما. وهو كان يبدأ في منتصف السنة اليوليانية، ويعتبر رقم الأربع سنين هو رقم الأولمبياد أي كل أربع سنين تقيم برقم للأولمبياد؛ فيقولوا الأولمبياد العاشر والأولمبياد الخمسين وهكذا. أي رقم الأولمبياد يستخدم لتحديد أربع سنوات وليس سنة واحدة.
يوسيفوس بالفعل قال إن غزو أورشليم تم في الأولمبياد 185.31 وهذا بعد أن بدأ هيرودس حكمه بثلاث سنوات. وهو الذي حدده بعض المؤرخين من 1 يوليه 40 ق.م إلى 30 يونية 36 ق.م.32 يوسيفوس حدد أيضًا أن هيرودس بدأ حكمه في الأولمبياد 184.33 وهذا الأولمبياد هو من 1 يوليه 44 ق.م إلى 30 يونية 40 ق.م.
ولكن يوسيفوس بنفسه قال أيضًا إن هيرودس مسك الحكم في مجلس كالفينوس وهو الثاني له وبوليو وهو الأول Consulship of Calvinus and Pollio.34 وكانوا أيضًا يؤرخون الأمور بتواريخ المشيرين؛ ولكن كالفينوس Caius Domitius Calvinus وبوليوCaius Asinius Pollio الذي مسك هيرودس الحكم بعد توليهما المنصب بصفتهم مستشارين هما حسب ما حدد المؤرخون بدآ بعد 2 أكتوبر 40 ق.م.35 في الأولمبياد 185.36 من 1 يوليه 40 ق.م إلى 30 يونية 36 ق.م. أي بعد السابق في فترة الأربع سنوات التالية أي ليس في الأولمبياد 184 بل 185. وهنا القارئ بدأ يرى المشكلة في كلام يوسيفوس. فالأولمبياد 184 ينتهي بالكامل قبل أن يبدأ مجلس كالفينوس وبوليو أصلًا. فيوسيفوس قدم تاريخين مختلفين لتولي الحكم، فالاستشهاد بكلام يوسيفوس بناء على الأولمبياد من دون مراعاة باقي ما قاله يقود لنتيجة خطأ أصلًا؛ لأن يوسيفوس ذكر رقمين متضاربين. فلو أُخذ التاريخ الثاني، يكون هيرودس بدأ حكمه في الأولمبياد 185، بفترة بعد 40 ق.م وبعد منتصف الأولمبياد أي بعد 38 ق.م أو بعد ذلك. وحكم سبعة وثلاثون سنة هذا يقود إلى سنة 1 ق.م أو بعد ذلك. أي بدأ ليس 40 ق.م بل بعد 38 ق.م.
ما يؤكد أن الثاني هو الصحيح، أن القديس جيروم أكد أن هيرودس تولى الحكم بعد موت أنتيجونيوس الذي مات في السنة الثانية من الأولمبياد 185.37 وليس في الأولمبياد رقم 184. وهذا يوازي سنة 38 ق.م أو بعدها.38 وحسبت ترتيب الأحداث هو بعد منتصف الأولمبياد بفترة، مما يؤكد صحة ما قاله القديس جيروم. وهيرودس حكم سبعة وثلاثون سنة، هذا يؤكد أن تاريخ وفاته سنة 1 ق.م أو بعدها بقليل. إذًا، تحول حكم هيرودس من الأولمبياد 184 الذي فهم خطأ، إلى الأولمبياد 185. هذا يقضي على فرق الأربع سنوات المزعومين، وبناء عليه هيرودس مات 1 ق.م أو بعدها بقليل أول 1م.
الرد على السبب الثالث وغزو أورشليم: أما عن النقطة الثانية وموضوع هجوم وانتصار هيرودس على أورشليم. يوسيفوس يقول إن هيرودس فتح أورشليم في الأُولمبياد 185 بعد توليه الحكم بثلاث سنوات في فترة مجلس ماركوس أَغريبا وكانينيوس جاليوس.39 وهذا الذي حددوه بسنة 37 ق.م؛ مع ملاحظة هذا حددوه بناء على النقطة السابقة التي اتضحت إنها غير دقيقة. ولكن الحقيقة يوسيفوس أيضًا يقول إن هذه حدث بعد سبعة وعشرون سنة بعد سقوطها في يد الجنرال بومبي الروماني.40 وهذا التاريخ محدد بدقة أنه بعد سنة 63 ق.م.41 ودخوله أورشليم على مراحل حتى وصل الهيكل 62 ق.م،42 أي يكون سنة 35 ق.م وليس سنة 37 ق.م أصلًا، وحكمها أربعة وثلاثون سنة، هذا يقود لنفس التاريخ السابق. أيضًا يوسيفوس في نفس النقطة يقول إن هذا حدث بعد أن تولى الحشمونيون (المكابيين قبل هيرودس) ملك أورشليم لمدة 126 سنة. وبناء على حسابات سفر المكابيين وأيضًا يوسيفوس هذا يحدد بأنهم بَدَؤُوا بعد 162 ق.م وهذا يصل بنا إلى بعد 36 ق.م أي 35 ق.م. فأيضًا في هذا يوسيفوس يقدم ما يختلف عما قدموه. فهذا تم معرفته أن هجومه على أورشليم حدث في سنة 35 ق.م. وهيرودس حسب يوسيفوس أيضًا حكم سبعة وثلاثون سنة، منهم أربعة وثلاثون سنة على أورشليم،43 يكون مات سنة 1 ق.م أو بعدها بقليل.
الرد على السبب الرابع وموضوع أبناء هيرودس وزمن توليهم الحكم: هذا الدليل هو أصلًا يعتمد على فرضية أن هيرودس مات سنة 4 ق.م. أي أن هذا يعتبر دليلًا دائريًا. فبناء على اعتقادهم بموت هيرودس سنة 4 ق.م يكون أبناؤه حكموا سنة 4 ق.م. ثم يستشهدون بهذا إنه دليل على أن هيرودس مات سنة 4 ق.م. براين وندل وضح أن تاريخ حكم أبناء هيرودس هو مختلف عليه ما بين 4 ق.م و1 ق.م وهو فقط يتوقف على متى مات هيرودس الكبير؛44 فلهذا هذا لا يصلح بدليل لإثبات سنة 4 ق.م.
أيضًا تواريخ حكم أبناء هيرودس يوجد عليها خلافات كثيرة، وسببه أن كثيرًا من الحكام يولون أبنائهم قادة في أثناء حكمهم ويقَيّم الأبناء لاحقًا فترتهم من بداية توليهم القيادة وليس بعد موت الأب. هذا أمر شائع. فهي تواريخ متضاربة ولا يعتمد عليها؛ لأنها غير معروفة إن كان مسكوا مناصب قبل أم بعد موت هيرودس، ولهذا يعتمد على تاريخ الوفاة أكثر من بداية الحكم. ولكن يوجد أدلة أشار إليها أندرو ستينمان أن أبناء هيرودس الكبير مثل أن فليب تولى الحكم ما بين سنة 1 ق.م إلى سنة 1م، وليس سنة 4 ق.م وهذا بدليل عملات أثرية.45 فيكون هيرودس توفى سنة 1 ق.م وليس سنة 4 ق.م.
هل توجد طريقة أكثر تحديدًا ودقة لتاريخ وفاة هيرودس الكبير عن هذه الأربع نقاط؟ نعم، توجد وهي من خلال التقليد اليهودي. فقد سجل اليهود أن هيرودس مات سنة 3761 يهودية، وهذا مسجل جيدًا في التقليد اليهودي، وهو موجود في مراجع ومخطوطات يهودية.
فمحدد أنه مات بعد عيد المظال (15 تشري) بثلاثة شهور في سنة 3761 يهودية، وعيد المظال هو في أكتوبر.46 و15 تشري عيد المظال سنة 3761 يهودية، يقابل 2 أكتوبر 1 ق.م.47 فهو مات بعد هذا بثلاث شهور. أي هيرودس مات يناير 1م. ومسجل أيضًا أن أرخيلاوس ابن هيرودس تولى الحكم في سنة 3761 يهودية.48 وهذا أيضًا يؤكد نفس التاريخ.
وفي موضع آخر من نفس المخطوطة تحدد موت هيرودس بأنه 2 شيفات 3761 يهودية.49 وهي تقابل 16 يناير 1م.50 أي لو وفاة هيرودس كانت بعد شهر أكتوبر، أي في أواخر سنة 1 ق.م أو في أوائل يناير سنة 1م. وبأكثر تحديدًا 16 يناير 1م. بناءً على هذا، فإن الرب يسوع المسيح، له كل المجد، وُلِد قبل هذا التاريخ بسنة تقريبًا، أي ما بين نهاية سنة 2 ق.م وبداية سنة 1 ق.م. وبهذا التاريخ المحدد، يكون من المناسب أن يكون ميلاد الرب يسوع المسيح في 25 ديسمبر حسب التقليد، قبل 1 يناير 1 ق.م. فيكون تاريخ الميلاد 25 ديسمبر 2 ق.م أقرب للصحة.
وبهذا، اتضح أن كل الادعاءات بأن المسيح وُلِد في سنة 4 ق.م أو 6 ق.م بسبب موضوع موت هيرودس هي غير دقيقة، وقد بدأت فقط من مفهوم خاطئ لموضوع الخسوف القمري وقلة التدقيق في حسابات الأولمبياد المرتبطة بحكم هيرودس. هذه كانت المجموعة الأولى من الأدلة، وهي النقطة الأولى من إحدى عشر نقطة لتحديد تاريخ ميلاد رب المجد. وهي حددت تقريبًا أن ميلاد رب المجد قبل أو مع بداية سنة 1 ق.م. أي في نهاية 2 ق.م أقرب للصحة.
ثانيًا: الإحصاء الذي حدث وقت ميلاد الرب يسوع المسيح
بعد دراسة تاريخ موت هيرودس وتصحيح أخطاء المدرسة النقدية واتضح أنه مات في 16 يناير 1م. فتاريخ ميلاد الرب يسوع المسيح يكون مناسب جدًا قبل بداية 1 ق.م أي تاريخ 25 ديسمبر 2 ق.م مناسب لتاريخ وفاة هيرودس. وتاريخ 4 ق.م كان سوء فهم من قبل النقديين. أيضًا بسبب سوء فهم عن زمن إحصاء كيرينيوس؛ هذا سبب فرضية عكسية. فبسببه ظهر ادعاء أن الرب يسوع المسيح ولد في أو بعد سنة 6م (أي عكس السابق). أي بسبب تقييم متى تولى كيرينيوس الذي يُذكر في إنجيل لوقا البشير، "1 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. 2 وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. 3 فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ." (إنجيل لوقا 2: 1-3)؛ ملحوظة لفظ والي هو في اليوناني ηγεμονευοντος هيجيمونيونتوس من لفظ ἡγεμονεύω هيجيمونيو وتعني قائد أو حاكم.51 فبعض النقديين قالوا إن كيرينيوس كان والي سورية سنة 6م. بسبب هذا، نادى البعض أن الرب يسوع المسيح ولد بعد تقويم الميلاد بفترة مقدارها سِتَّ سنين أو أكثر أي 6م، أو بعدها.
ولكن اتضح من الآثار أن إحصاء كيرينيوس تم عندما كان قائدًا رومانيًا وأحد مستشاري أغسطس قيصر قبل أن يصبح سيناتورًا وحاكمًا لسوريا. فقد حكمها أولًا كقائد عسكري قبل الميلاد (وَالِيَ)، تقريبًا من سنة 3 ق.م إلى 1 ق.م.52 هذه كانت المرة الأولى.53 ثم عاد وحكمها مرة ثانية وعين واليًا على سوريا من سنة 6م إلى 11م. وهو ولد سنة 51 ق.م، ومات سنة 21م.54 فهو حكمها مرتين.55 وفكرة مختصرة عنه، فهو من الأمراء، وأظهر براعة في الحرب، فكافأه أغسطس قيصر برفعه إلى رتبة مشير سنة 12 ق.م. ومنذ سنة 12 ق.م إلى 1 ق.م قاد حملة ضد الهومونادينيس.56 وبعد انتصاره أقام فترة في سوريا. وكان معروفًا أنه حكم كوالي بعد الميلاد، ولكن كان هناك شك في توليه هذا المنصب قبل الميلاد حتى تم إثبات ذلك من اكتشاف بعض اللوحات الأثرية. من بين هذه اللوحات، اللوحة اللاتينية التي وُجدت في تيفولي قرب روما، والتي أصلحها علماء آثار، مثل مومسن ورامساي وروس. وقد أظهرت الكتابة على هذه اللوحة أن كيرينيوس كان واليًا على سوريا في التاريخ المذكور قبل الميلاد.57 وصورتها:
شكل 3. لوحة كيرينيوس. (Bryan Windle, “Quirinius An Archaeological Biography,” Bible Archeology report, accessed October 10, 2021, https://biblearchaeologyreport.com/2019/12/19/quirinius-an-archaeological-biography/.)
وتُظهِر أنه حكم مرتين سورية. وهي معروضة حاليًا في متحف الفاتيكان.58 وهي تحت عنوان "جزء من نقش قبر لكيرينيوس" Fragment of the sepulchral inscription of Quirinius". وتقول” leg (atus) iterum . . ." أي حكم مرتين.59 فهذه اللوحة توضح أنه حكم في سورية مرتين. وهما الفترتان التي أحدهما قبل الميلاد والأخرى بعد الميلاد.
ولوحة أخرى وهي من جزئيين وصورتها:
شكل 4. اللوحة الثانية لكيرينيوس. (Bryan Windle, “Quirinius An Archaeological Biography,” Bible Archeology report, accessed October 10, 2021, https://biblearchaeologyreport.com/2019/12/19/quirinius-an-archaeological-biography/)
والأولى تذكره أنه بيرفيكت وحدد عمرها ما بين 11 ق.م إلى 1 ق.م، والثانية تحدد أنه بيرفيكت على ليجيون 12 الذي كان يحكم في سوريا في هذا الوقت (ما بين 6 ق.م إلى 1 ق.م). وبهذا تشهد أنه بالفعل كان في سورية في توقيت الاكتتاب الأول.60
ولوحة ثالثة باسم Aemilius Secundus وهي في متحف Venice، Museo archeologico nazionale. تذكر أيضًا أنه حكم مرتين وقام بالاكتتاب.61
وصورتها: